منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي، شكّلت السجون أداة مركزية في قمع الفلسطينيين ومحاولة كسر إرادتهم، وأداة من أدوات العقاب الجماعي الممنهج. وعلى مدار العقود، لم تكن سجون الاحتلال ومراكز الاحتجاز مجرد أماكن لسلب الحرية والاعتقال فحسب، بل تحوّلت إلى ساحات للتعذيب المنهجي، والتعذيب النفسي والجسدي، والحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية. إلا أن الأوضاع داخل هذه السجون بلغت مستوى غير مسبوق من القسوة بعد السابع من أكتوبر 2023، في ظل العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني وجريمة الإبادة الجماعية، حيث شرعت إدارة السجون في تنفيذ سياسات انتقامية واسعة النطاق، شملت الإهمال الطبي المتعمد والتعذيب الممنهج، ووقف الزيارات، وتقليص الطعام والماء، ومصادرة الاحتياجات الأساسية، وصولًا إلى العزل التام وقطع الاتصال بالعالم الخارجي. 

 

وقد تحوّلت الحياة اليومية للأسرى إلى سلسلة من الإجراءات العقابية المركّزة، في إطار منهجية واضحة تهدف إلى سحق الروح المعنوية وتعميق العزل، في تجاهل فاضح للقانون الدولي والمعايير الإنسانية. هذا التصعيد لم يكن لحظة استثنائية، بل بات نمطًا ثابتًا تُكرّسه سلطات الاحتلال كجزء من منظومة متكاملة للعقاب الجماعي، وتُعدّ ممارساته في سجن مجدو تحديدًا أحد أبرز النماذج على هذا النهج المتصاعد.  

 

يعتبر سجن مجدو من أصعب سجون الاحتلال الإسرائيلي وأكثرها قسوةً من حيث الظروف المعيشية والتنكيل المستمر الذي يتعرض له الأسرى الفلسطينيون. يضم السجن فئات وعات عدة من الأسرى، من بينهم أشبال فلسطينيون لا تتجاوز أعمارهم سن الطفولة، وكبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة في ظروف احتجاز صعبة، إلى جانب معتقلين إداريين بلا محاكمة، وأسرى موقوفين ومحكومين بأحكام مختلفة. ويحتوي مجدو على قسم خاص للعزل يضم قيادات بارزة مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات، بالإضافة إلى عدد كبير من الأسرى الذين يعانون ظروف عزل قاسية، إضافة إلى قسم آخر يضم معتقلي غزة، بينهم أطفال يعانون أوضاعًا مأساوية على كافة المستويات. 

 

تتفاقم معاناة الأسرى في سجن مجدو بسبب الاكتظاظ الحاد داخل الأقسام التي تتجاوز طاقتها الاستيعابية بمراحل، حيث يعيش الأسرى في زنازين ضيقة لا تسمح لهم بأبسط مقومات الحياة، مما يفاقم الأوضاع الصحية والنفسية والجسدية لهم. ومنذ بداية العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني، استشهد ثمانية أسرى داخل مجدو أو في مستشفيات أخرى وسجون أخرى بعد نقلهم من سجن مجدو نتيجة الإهمال الطبي المتعمد الذي تمارسه سلطات الاحتلال، والتعذيب والضرب الذي يتعرض له الأسرى في هذا السجن تحديدا، مع انتشار أمراض جلدية خطيرة لا تحظى بأي علاج فعّال. 

 

مارست إدارة سجن مجدو سياسة ممنهجة للتجويع والتعطيش، حيث فقد الأسرى نتيجة لهذه السياسات أوزانهم بشكل ملحوظ، فضلاً عن سحب أبسط مستلزمات النظافة الشخصية، مما يحول الحياة داخل السجن إلى جحيم حقيقي لهم. وتتفاقم الأزمة مع فرض إجراءات تعسفية على زيارات المحامين، التي تُعقد بشروط معقدة، مما يحرم الأسرى من حقوقهم الأساسية. كما وثقت شهادات الأسرى الأشبال تعرضهم لعنف جسدي قاسٍ يشمل استخدام الكلاب البوليسية، وعمليات قمع مستمرة، واعتداءات بالضرب المبرح، كل ذلك في إطار حملة ممنهجة لفرض أشد درجات الانتهاك الجسدي والنفسي بحق الأسرى داخل السجن. 

 

ومن أبرز تجليات هذا القمع، استشهاد الأسير عبد الرحمن أحمد محمد مرعي (33 عامًا) من بلدة قراوة بني حسان شمال غرب سلفيت، الذي ارتقى في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 داخل سجن مجدو بعد تعرضه لتعذيب وحشي وإهمال طبي متعمد. اعتُقل مرعي في 25 شباط/فبراير 2023 وهو موقوف دون محاكمة، متزوج وأب لأربعة أطفال، وكان قد تعرض لضرب مبرح وأصيب بجروح خطيرة في وجهه وجسده العلوي، ونُقل إلى زنزانة انفرادية دون تلقي العلاج اللازم، مما أدى إلى استشهاده بعد أيام من الإهمال الطبي المستمر، وهو نموذج صارخ للانتهاكات الممنهجة بحق الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال، تحديدًا في سجن مجدو. 

 

وبعدها بأقل من شهرين، استُشهد الأسير عبد الرحمن باسم البحش (23 عامًا) من نابلس في سجن مجدو، في 1 كانون الثاني/يناير 2024، بعد 18 شهرًا من الاعتقال. وكان قد اعتُقل في 31 أيار/مايو 2022، وحُكم عليه بالسجن لمدة 35 شهرًا. يُشير تقرير الطب الشرعي الأولي إلى أن استشهاده جاء نتيجة التعذيب الممنهج والإهمال الطبي المتعمد من قبل إدارة السجون، مما يجعله ضحية للانتهاكات المستمرة بحق الأسرى الفلسطينيين في سجن مجدو. 

 

وفي السياق ذاته، أعلن الاحتلال عن استشهاد الفتى وليد خالد عبد الله أحمد (مواليد 2007) من بلدة سلواد، في 24 آذار/مارس 2025 داخل سجن مجدو، نتيجة مباشرة لسياسة التجويع الممنهج وحرمانه من العلاج بعد إصابته بـجرثومة المعدة. وقد أكد تقرير التشريح الطبي الأولي أن وليد كان يعاني من نقص حاد في التغذية وسوء في الحالة الصحية، ما يدل على الإهمال المتعمد وغياب أدنى مقومات الرعاية الطبية. استشهاد وليد، وهو أصغر الشهداء في السجون، يكشف عن تصعيد خطير في الجرائم الطبية بحق الأسرى الأشبال، ويعكس إصرار إدارة السجون على المضي في سياسة الإعدام البطيء بحق المعتقلين، دون أي اعتبار لأعمارهم أو أوضاعهم الصحية. 

وتعرض احد المعتقلين في سجن مجدو لتعذيب وحشي تضمن اغتصابًا قسريًا باستخدام أدوات وعصي مطاطية تم إدخالها في مؤخرته بشكل متكرر، مصحوبًا بضرب مبرح وشتائم مهينة. أدت هذه الانتهاكات إلى إصابات داخلية ونزيف استمر لأكثر من ثلاثة أسابيع، دون تلقي أي علاج طبي أو رعاية مناسبة طوال فترة الاحتجاز، وفقًا لشهادته.  

هذا الانتهاك الجسيم يضاف إلى سلسلة الجرائم الممنهجة التي تُمارس بحق الأسرى داخل سجن مجدو، إذ أن حادثة التعذيب والاغتصاب هذه تؤكد حجم الانتهاكات الجسدية والنفسية التي يتعرض لها المعتقلون، وتعزز ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه السياسات القمعية داخل السجون الإسرائيلية.  

 

ولا تختلف معاناة المعتقل الطفل (ص. ع) الذي اعتُقل في أغسطس 2024، كثيرًا عن واقع الأسرى الآخرين في مجدو، إذ تعرض لاعتداءات متكررة وضرب متواصل، بالإضافة إلى نقص حاد في الطعام والملابس والخدمات الصحية، مع تصاعد الإجراءات القمعية التي ازدادت تعقيدًا مع مرور الوقت. ورغم حالته الصحية المتدهورة، كان الإهمال الطبي المتعمد والضرب جزءًا لا يتجزأ من يومياته داخل السجن، مما أدى إلى فقدانه 17 كيلوغرامًا من وزنه..  

 حيث يروي: "كنا نخرج فورة يومياً ربع ساعة، أحياناً فقط للتفتيش، وكل مرة نتعرض لتفتيش وضرب على الأعضاء التناسلية. فقدت 17 كيلو من وزني خلال الاعتقال، والطعام كان قليلاً وسيئاً طوال الوقت." 

 

وفي أحدث جرائم الإعدام البطيء داخل سجن مجدو، استُشهد يوم أمس، 3 آب/أغسطس 2025، الأسير أحمد سعيد صالح طزازعة (20 عامًا) من بلدة قباطية جنوب جنين، وذلك بعد أقل من ثلاثة أشهر على اعتقاله الإداري في 6 أيار/مايو 2025، دون تهمة أو محاكمة. ويُشار إلى أن أحمد لم يكن يعاني من أي أمراض مزمنة أو مشاكل صحية، ما يجعل استشهاده دليلاً إضافيًا على خطورة السياسات التي تنتهجها إدارة سجون الاحتلال، والتي تشمل التجويع، الإهمال الطبي، والحرمان من الحقوق الأساسية. 

ويأتي استشهاد طزازعة ليُضاف إلى سلسلة الجرائم المتصاعدة داخل سجن مجدو، إلى جانب استشهاد ٧٥ أسيرًا آخرين، حيث تشترك جميع الحالات في نمط من العنف الممنهج والإهمال الطبي المتعمّد، ما يؤكد أن إدارة السجون تمارس سياسة قتل بطيء جماعي بحق الأسرى الفلسطينيين. وباستشهاد طزازعة، يرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى ٧٦ أسيرًا داخل سجون الاحتلال منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، منهم ٤٦ أسيرًا من قطاع غزة في المعسكرات والسجون، في تصعيد مستمر للجرائم المنظمة بحق المعتقلين الفلسطينيين.  

تُبرز جرائم القتل البطيء المتواصلة داخل سجون الاحتلال، وفي مقدمتها سجن مجدو، الحاجة الملحّة إلى محاسبة قانونية شاملة وفورية لجميع المسؤولين عن تنفيذ هذه السياسات القمعية، ولذلك تطالب مؤسسة الضمير بضرورة محاسبة المسؤولين الإسرائيليين من أصحاب القرار، ووزير الأمن القومي (ايتمار بن غفير)، ومدير مصلحة السجون الإسرائيلية (كوبي يعقوبي)، وكل مدراء السجون وتحديدًا مدير سجن مجدو.