في اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني: الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي يزج الفلسطينيين في سجونه لدفاعهم عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
29 تشرين الثاني 2025
يحلّ اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني هذا العام، في وقت يشهد فيه العالم جريمة الإبادة الجماعية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني؛ جريمة تتجسّد في التدمير المنهجي للحياة، والاستهداف المتعمّد للمدنيين، وانتهاج سياسات تهدف إلى محو شعبٍ بأكمله. وتترافق هذه الإبادة الجماعية مع تهجير واسع النطاق، وأنماط متصاعدة من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما يشمل العقاب الجماعي، والاعتقال التعسفي، والتعذيب وسوء المعاملة. وفي هذا الوقت الحاسم، يتعيّن على المجتمع الدولي أن يؤكد التزامه القانوني والأخلاقي بحماية الحقوق الفلسطينية ومواجهة هذه الجرائم الدولية الخطيرة بشكل فعّال.
على الرغم من الحظر الصريح الذي يفرضه القانون الدولي، يبقى الاحتلال الإسرائيلي الطويل وغير القانوني هو الانتهاك الجوهري الذي يشكّل الأساس الذي تُبنى عليه جميع الجرائم والانتهاكات الأخرى بحق الشعب الفلسطيني. فهذا الاحتلال، بوصفه نظامًا قائمًا على السيطرة والقمع، هو الذي أتاح ممارسة العقاب الجماعي، واستهداف المدنيين، والاعتقال التعسفي، وتدمير البنية التحتية المدنية، إلى جانب انتهاكات جسيمة أخرى لأحكام القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان. ومع ذلك، تواصل الدول والمؤسسات الدولية التقاعس عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها على عقود من الانتهاكات، مما يعمّق ترسخ سياسة الإفلات من العقاب.
وتبرز من بين أخطر القضايا الراهنة أوضاع الأسرى الفلسطينيين. إذ يشكّل نظام الاعتقال الذي تفرضه سلطات الاحتلال أحد أهم الأدوات لترسيخ سيطرتها على الشعب الفلسطيني. ويتسم هذا النظام بحملات اعتقال جماعية، والاستخدام الممنهج والخطير في للاعتقال الإداري دون تهمة أو محاكمة، والتعذيب والاعتداءات الجنسيّة، والظروف اللاإنسانية داخل السجون، واستهداف مختلف فئات الشعب الفلسطينيز
إن اعتقال الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال والنساء والطلبة والصحفيون والمدافعون عن حقوق الإنسان وأعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني، يمثل سياسة متعمّدة تهدف إلى إسكات المشاركة السياسية، وقمع الفضاء المدني، وإحباط جهود الفلسطينيين في المطالبة بحقوقهم الأساسية. ويأتي الارتفاع الحاد في أعداد المعتقلين، وحالات الإخفاء القسري، وحالات الاستشهاد داخل السجون منذ 7 أكتوبر 2023 ليؤكد الحاجة الملحّة إلى تدخل دولي عاجل. وعليه، ينبغي أن يشكّل هذا اليوم الدولي للتضامن لحظة تحرك عالمي منسّق، لا مجرد مناسبة رمزية.
وبحسب مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان حتى شهر تشرين الثاني 2025، فإن أكثر من9300 أسير فلسطيني يقبعون في سجون الاحتلال، من بينهم 3368 معتقلاً رهن الاعتقال الإداري دون تهمة أو محاكمة. كما لا يزال أكثر من 350 طفلًا وأكثر من 50 امرأة خلف القضبان، إضافة إلى أكثر من 1340 أسيرًا من قطاع غزة، بينهم 1205 معتقلين بموجب قانون "المقاتل غير الشرعي". ومنذ 7 أكتوبر 2023، سُجّلت نحو 21 ألف حالة اعتقال في الضفة الغربية والقدس وحدهما. كما وثّقت المنظمات الحقوقية 98 حالة استشهاد داخل السجون نتيجة التعذيب، والإهمال الطبي، والظروف اللاإنسانية. وإلى جانب ذلك، يظل آلاف المعتقلين من غزة في عداد المختفين قسرًا داخل معسكرات الاحتلال، ومحرومين من التواصل مع المحامين.
وتأتي هذه الانتهاكات في سياق الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، الذي أكّده الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية لعام 2024، والذي أكد أن وجود إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة غير شرعي. وأضاف أيضاً أن على جميع الدول واجبًا قانونيًا يتمثل في عدم الاعتراف أو تقديم العون أو المساعدة لاستمرار الاحتلال، بما في ذلك ممارساته المرتبطة بالاعتقال الجماعي، ونقل الأسرى خارج الأراضي المحتلة، والإبقاء على نظام المحاكم العسكرية القمعي.
ورغم ذلك، تواصل العديد من الدول الحفاظ على علاقات عسكرية وسياسية واقتصادية تسهم بشكل مباشر في استمرار الجرائم. كما تؤكد قرارات المحكمة الجنائية الدولية الأخيرة بما فيها رفض طعون دولة الاحتلال وإصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين كبار، فداحة الجرائم وضرورة المضي قدمًا في المساءلة عبر جميع الآليات الدولية المتاحة. ومع ذلك، لا تزال العديد من الجرائم، خاصة تلك المرتكبة بحق الأسرى والمعتقلين، لم يتم اتخاذ إجراءات جدية لمعالجتها ومحاسبة مرتكبيها.
شهد العامان الأخيران أعلى معدلات استهداف للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة، حيث يواصل جنود الاحتلال والمستوطنون تنفيذ اعتداءات واسعة النطاق وسط إفلات تام من العقاب. وفي المقابل، يُخضع الفلسطينيون لنظام قضائي عسكري تمييزي يجرّم تفاصيل حياتهم اليومية، ويفرض أحكامًا قاسية حتى على المخالفات البسيطة.
إن التدهور المتسارع داخل سجون الاحتلال، بما في ذلك سياسات التجويع، والإهمال الطبي ومنع العلاج، والتعذيب المنهجي، يستدعي تدخلًا فوريًا. وفي هذا السياق، ومع إخفاق مجلس الأمن في حماية القانون الدولي وفي إعلاء حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير كما أكّده الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في تموز 2024، ندعو الدول الثالثة إلى اتخاذ إجراءات فورية وفعّالة وذات أثر ملموس. ويشمل ذلك رفض تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2803، والمطالبة بحل قانوني وعادل يُعطي الأولوية للحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حق تقرير المصير وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين؛ وتفكيك نظام الفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي؛ وإنهاء الاحتلال غير القانوني ومشاريع الضمّ المتصاعدة في فلسطين؛ وجعل المساءلة محورًا أساسيًا تجاه الجرائم الفادحة التي ارتكبتها دولة الاحتلال الغسرائيلي عبر تاريخها وما تزال ترتكبها. كما يتعين على الدول الثالثة فرض عقوبات دبلوماسية وعسكرية واقتصادية على الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، وضمان اتساق سياساتها مع الالتزامات الواردة في الآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدولية لعامي 2024 و2004، ومع واجباتها الدولية في حماية الشعب الفلسطيني وحقوقه، وفي مقدمتها حق تقرير المصير.
وفي هذا اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، تدعو مؤسسة الضمير المجتمع الدولي إلى اتخاذ الخطوات العاجلة التالية:
- فرض حظر شامل على الأسلحة على الاحتلال غير القانوني، ووقف جميع أشكال نقل الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية وأنظمة المراقبة التي تساهم في الجرائم والانتهاكاتز
- تفعيل الولاية القضائية العالمية لملاحقة المتورطين في التعذيب وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات ضد الأسرى
- تعليق التعاون الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي مع الاحتلال حتى امتثاله الكامل للقانون الدولي
- فرض مقاطعة شاملة بحق دولة الاحتلال وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات الهادفة إلى تفكيك منظومة الاضطهاد وتعزيز المساءلة
- ضمان الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأسرى السياسيين الفلسطينيين، بما يشمل:
• إنهاء الاعتقال الإداري
• تفكيك نظام المحاكم العسكرية
• إجراء تحقيقات مستقلة في جميع حالات التعذيب والاستشهاد داخل السجون
- التعاون الكامل مع المحكمة الجنائية الدولية ودعم تحقيقاتها وتنفيذ مذكرات التوقيف بحق المتورطين في الجرائم الدولية.
ندعو شعوب العالم إلى تصعيد العمل الجماعي: إلى التنظيم والتحرك والمطالبة بمحاسبة الاحتلال غير القانوني والحكومات التي تسانده وتمنحه الشرعية وتزوّده بالسلاح والدعم.
لا بد أن يتحول التضامن من مجرد موقف رمزي إلى ضغط متواصل، وسياسات ملموسة، وجهود مناصرة حثيثة حتى نيل الشعب الفلسطيني حريته وتحقيق العدالة.